بسم الله
الرحمن الرحيم
الجزء السابع عشر
[2]
الإعلان عن تأسيس الإتحاد الدستوري الليبي
تنويه ..
كان من المفترض لهذه المقالة أن تستمر ـ على نهجها المقرر لها ـ فى
تناول مواقف بعض الشخصيات الليبية إزاء تأسيس الإتحاد الدستوري الليبي،
تم يعقبها فى الترتيب تناولها لمواقف بعض تنظيمات وفصائل المعارضة
الليبية فى نفس الخصوص. ولكن بعد نشر ستة عشر جزءاً، أحتوت فى متنها
على تفاصيل مواقف شخصيات عديدة، بدأت أجزاء المقالة ـ فى هذا السياق ـ
تميل إلى الرتابة التى تليق بالأبحاث العلمية المجبرة بطبيعتها
على إتباع نسق خاص فى ترتيب أبجديات تسلسل خامات بحثها.
وهذا لا ينطبق على هذه المقالة التوثيقية، التى تقتفى فى خطى تدرج
أجزائها، مواقف الشخصيات المستقلة، ومواقف الكوادر التنظيمية، والتى لا
يهم فى صددها أن يتم تنسيقها تحت إدراجات تميز بين أنواعها فى تسلسل
وترتيب خاص.
والمعنى هنا، إنه فى رغبة ـ مني ـ لكسر طوق الرتابة الذى أستمر على
إمتداد الأجزاء السابقة، سوف أتناول فى موضوع هذا الجزء موقف أحد فصائل
المعارضة، عوضاً عن تناول شخصية جديدة (كالمعتاد)، وسوف يستمر نفاذ هذا
التقليد فى كافة الأجزاء المقبلة.
بعبارة أُخرى، سوف يتم فى هذا الجزء والأجزاء القادمة من هذه المقالة
التوثيقية، تناول مواقف الشخصيات، وفصائل وتنظيمات المعارضة الليبية،
كل على حدة، ولكن بدون ترتيب أو تتابع لأنواعها المنفصلة. وسيدور
الحديث فى هذا الجزء حول الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية.
الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية ..
لقد تأسست الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية فى شهر أغسطس من عام
1980م، بقوام فكر يساري، كانت تعبر عنه مجلة " الوطن " لسان حال
الجبهة فى هذا الخصوص. وكان من أبرز قياداتها وأعضائها وناشطيها:
الدكتور عبد الرحيم صالح (رحمه الله)، والدكتور على الترهوني، ومحمود
شمام، وصلاح المغيربي، وفتحي البعجة، وحسن الأشهب.
ولعل من المزايا التى لا تخطأها عين الراصد لكيان النسيج الفكري
والعقيدي المكون لعضوية وقيادات الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية،
هو الوئام والإنسجام فى علاقات أفراده بعضهم ببعض من جانب. والتوافق
والإقتراب والتجانس الفكري من جانب آخر. وهذا ما كانت تفتقر إليه معظم
تنظيمات وفصائل المعارضة الليبية، التى إن وجد بين أعضائها التوافق
العقيدي، أنعدم من جهة أُخرى التجانس الفكري؛ وإذا وجد بينهم التجانس
الفكري أو التوافق العقيدي أنعدم الإنسجام الشخصي، وهكذا.
** * **
بعد الإعلان عن الإتحاد الدستوري الليبي فى أكتوبر سنة 1981م، جاء رد
قيادات الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية إزائه فى غضون أسابيع قليلة
لاحقة، وذلك من خلال الخبر التالي الذى نشرته مجلتهم الوطن فى
عددها الصادر بشهر نوفمبر 1981م:
إتحاد آخر
" ومن جهة أُخرى، وزعت فى لندن بطاقة معايدة، طُبع على غلافها علم
ليبيا السابق، وحملت صورة الملك السابق إدريس السنوسي فى
داخلها، مرفقة مع إعلان تأسيس الإتحاد الدستوري الليبي، وهو تنظيم يدعو
إلى عودة الملكية، أو ما أسماها البيان الشرعية الدستورية. كذلك
يدعو إلى عودة ليبيا تحت التاج السنوسي عقب إقرار شكل الحكم وفقاً
لإستفتاء تحت إشراف دولي. ووقع البيان السيد محمد بن غلبون، وهومغترب
ليبي يعيش فى بريطانيا، وكان تاجراً قبل سفره إلى الخارج وشقيقه،
والسيد محمد القزيري الذى يعتقد بأنه شغل منصب السكرتير الإداري للغرفة
التجارية ببنغازي "
[1].
والخبر السابق ـ ربما ـ لا يفصح صراحة عن وجهة نظر قيادات
الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية إزاء تأسيس الإتحاد الدستوري
الليبي، ولكن المعنى بين سطوره يُعبر عن منطلقاتها التى ترى بأن توجه
الإتحاد الدستوري الليبي ـ المعلن عنه ـ يتسم بالرجعية لإلتصاقه
بالملكية، قياساً بشعارات الفكر اليساري الداعية لتحقيق الثورة على
أنظمة الحكم الرجعية، التى تقع الأنظمة الملكية على رأس قائمتها،
وإحلال الأنظمة الراديكالية ـ المسماة فى تراث الفكر اليساري بالأنظمة
التقدمية ـ التى يؤمن أصحاب الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية
بصلاحية فاعليتها فى الحكم.
وقد حاولت قيادات الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية من خلال الخبر
السابق أن تعمق مفاهيم خاطئة، حول توجه الإتحاد الدستوري الليبي، فى
أذهان قراء مجلتها من أفراد الجماعات الليبية فى المهجر. حيث خلطت بين
مفهومي الملكية والشرعية الدستورية، من خلال إعطائها
الإنطباع ـ للمطالع للخبر ـ بأنهما مدلولين لمفهوم واحد، وأن بيان
تأسيس الإتحاد الدستوري الليبي فى هذا الصدد قد عنى ـ لمن قاموا بصياغة
الخبر السالف ذكره ـ الدعوة لعودة الملكية ! رغم أن بيان التأسيس ـ قيد
الحديث ـ لم يكن خالياً من ذكر الدعوة لعودة الملكية فحسب، بل أن نصه
فى هذا الخصوص قد أشار بوضوح لا يقبل اللبس بأن دعواه تنحصر فى السعي
لتحقيق عودة الشرعية الدستورية.[2]
وعندما يتم صياغة مثل هذا الخبر من قبل محترفين من أمثال قيادات الجبهة
الليبية الوطنية الديمقراطية، فأنه يصبح نصيب حظ الخطأ من الحدوث ـ فى
هذا الإطار ـ شبه معدوم. ورغم ذلك، فإنه لو جاز ـ للمطالع المحايد ـ
التغاضى عن الخلط السابق بين معانى مفهومي الملكية والشرعية
الدستورية، فأنه سرعان ما يتراجع عن كرم تغاضيه السالف عندما يرى
إصرار وتصميم كاتبي الخبر على ربط توجه الإتحاد الدستوري الليبي
بالدعوة لعودة الملكية من خلال إعادتهم وتكريرهم ـ فى مكان آخر من
الخبر ـ لنفس فحوى إدعائهم، ولكن بكلمات مختلفة، تُعطى ذات المعنى
المدسوس، والتى حملتها عبارتهم القائلة " كذلك يدعو إلى عودة ليبيا
تحت التاج السنوسي"، فى الوقت الذى يتم فيه نفيهم لما أشار له
البيان التأسيسي فى نصه بأنه ـ أنما ـ يدعو لتحقيق الشرعية الدستورية،
التى تم تأويلها بالدعوة لعودة الملكية !.
** * **
لقد أنفرط عقد الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية، وتوقف نشاطها بعد
إنخراط قياداتها بكل ثقلها مع نوري الكيخيا وصالح جعودة
وآخرين فى مشروع الإلتفاف حول الرائد عبد المنعم الهوني (عضو
مجلس الإنقلاب العسكري) فى سنة 1992م، وإتخاذه رمزاً للمعارضة الليبية،
وتفويضه متحدثاً رسمياً عنها.
وذلك من خلال المؤتمر الذى تم عقده فى جنيف فى الفترة ما بين 27 إلى 30
نوفمبر 1992م، تحت أسم "المؤتمر العام للقوى الوطنية الديمقراطية"،[3]
وقد شارك فيه نوري الكيخيا عن تنظيم التجمع الوطني الديمقراطي
الليبي، وبشير الرابطي عن التنظيم الوطني الليبي، وفاضل
المسعودي عن الحزب الديمقراطي الليبي، وساهمت فيه الحركة
الوطنية الليبية (المنتمية لفكر البعث) برسالة تضامن تُفيد فيها
بأنها تعتذر عن عدم حضور ممثليها للمؤتمر لأسباب خارجة عن الإرادة،
لكنها تبارك إنعقاده وتلتزم بقرارته وتوصياته التى يتخذها. كما أبرقت
جماعة سياتل بإعتذارها عن حضور المؤتمر لعدم تمكن أفراد وفدها
من الحصول على تأشيرات دخول للأراضي السويسرية، لكنها تتضامن مع
المؤتمرين وتؤيد كافة القرارات التى يتخذونها. كما شارك فى ذلك المؤتمر
بعض الشخصيات الليبية الآخرى، التى كان من بينها الدكتور محمد بالروين،
والدكتور محمود تارسين، ومحمود الناكوع، وعز الدين الغدامسي، ورشيد
بسيكري.[4]
وهكذا، تمخضت جلسات ذلك المؤتمر عن إختيار الرائد عبد المنعم الهوني
كرمز للمعارضة الليبية فى الخارج، وتم الإلتفاف حوله من قبل الشخصيات
والفصائل المذكورة، ليتكون بها أكبر كيان تنظيمي معارض فى المهجر فى
تلك الآونة.
ومن هنا، أصبح عبد المنعم الهوني الذى تآمر مع رفاقه من صغار ضباط
الجيش الليبي على الشرعية الدستورية فى الدولة الليبية واستولوا على
السلطة فيها، قائداً للمعارضة التى تسعى لإسقاط نظام الإنقلاب وإحلال
نظام ديمقراطي عوضاً عنه !.
وفى هذا السياق، خاطب عبد المنعم الهوني بأسم المعارضة رؤساء الدول
الكبرى والهيئات الدولية كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأمين هيئة
الأمم المتحدة (بطرس غالي)؛ والأدهى من ذلك ـ والأكثر إثارة فى فصول
تلك المسرحية الهزلية ـ أرسل الهوني بيان بأسم المعارضة الليبية
للقذافى يطالبه فيه بالتنحى الفوري عن السلطة وتسليمها لأبو بكر يونس !
[5].
** * **
لقد كان فى تتفيه وتسطيح توجه الإتحاد الدستوري الليبي من منطلق
العقيدة الفكرية التى كان يحملها أركان تنظيم الجبهة الليبية الوطنية
الديمقراطية أثره البالغ فى إحجام البعض عن تقبل فكرة توجهه التى تقوم
على بنيانها أهدافه المرسومة.
فقد كان لسطوة بريق الخطاب الثقافي الذى كان يتميز غالبية أعضاء الجبهة
الليبية الوطنية الديمقراطية بحمل وجاهته، التأثير فى بعض الأفراد فى
محيطهم الإجتماعي والنضالي، عندما كان يأتى الأمر لنقاش التوجه الذى
يتبناه الإتحاد الدستوري الليبي.
ولكن، من الأهمية بمكان، أن يتم التأكيد على أن وجهة نظر قيادات وأعضاء
الجبهة الليبية الوطنية الديمقراطية تجاه الإتحاد الدستوري الليبي كانت
نابعة من قناعات فكرية تمليها طبيعة توجههم اليساري الذى يرى بأن أنظمة
الحكم الملكية تمثل النسق الرجعي بين أشكال الحكم السائدة، بالدرجة
التى لا تصلح معها كأدوات للحكم.
وهذا ما يدفع بي ـ هنا ـ إلى إقرار إحترامي لأعضاء هذا التنظيم
المعارض، لأنهم كانوا يعبرون عم تؤمن به عقولهم، وليس ما تمليه عليه
نوازعهم وأهوائهم الشخصية، هذا بغض النظر عن الخلاف الفكري والعقيدي
الذى نتباين فيه بدرجة مميتة.
ولكني فى ذات الوقت، لي مأخذ عليهم، وهو أنهم عندما تغيرت قناعات ـ
بعضهم ـ الفكرية وتوجهاتهم العقيدية، وبدأوا فى مناصرة فكرة العودة
للشرعية الدستورية، لم يجدوا فى أنفسهم الشجاعة الكافية التى تحلى بها
نوري الكيخيا فى الإعتراف بخطأهم السابق فى هذا الصدد.
يـتـبـع ..
محمد بن غلبون
10 أغسطس
2007
chairman@libyanconstitutionalunion.net
[1]
مرفق أدناه نسخة مصورة من الخبر كما ظهر على الصفحة السادسة من مجلة
الوطن (ملحق رقم 1 ).
[2]
مرفق أدناه
نسخة مصورة من بطاقة المعايدة التي تضمنت البيان التأسيسي للاتحاد
الدستوري الليبي
(ملحق رقم 2)
[3]
التصريح
الصحفي الصادر عن المؤتمر بنفس التاريخ.
[4]
البيان
الختامي للمؤتمرالعام
للقوى الوطنية الديمقراطية
الليبية (ملحق رقم 3 أدناه).
[5]
صحيفة
الحياة اللندنية : 27 فبراير 1993 و 2 يونية 1993 (ملحق رقم 4 وملحق
رقم 5 أدناه).
|